وكالة أنباء الحوزة - قال عضو “لقاء المعارضة في الجزيرة العربية” الشيخ جاسم المحمد علي إنه في كل عام من شهر شوال تسترجع الأمة الإسلاميّة ذكرى حدث مؤلم يحمل في طيّاته كامل المؤشّرات الدّالة على العنف الطائفي والسياسي والاجتماعي الذي يصبغ النظام السعودي ويملأ جوهره. هذا الحدث في سياقه كان جريمة سافرة ارتكبها آل سعود بقوّاتهم الوهابيّة بحق واحدة من أبرز معالم الإسلام ومقدّساته. وبيّن أن عمليّة هدم الأضرحة الطاهرة حصلت على مرحلتين. الأولى في عام 1220 هجري عندما دخلت القوات الوهابيّة إلى المدينة بعد حصار طال أمده سنة ونصف، أما المرحلة الثانية فكانت عام 1344 هجري، عندما اقتحمت القوات السعودية بلاد الحجاز وعاثت فيها فساداً وتدميراً وتخريباً حتى أن آثارها لا تزال حاضرة حتى يومنا هذا.
الدّور النضالي للشيخ النمر
الشيخ المحمد علي وفي كلمة ألقاها عبر قناة “أحرار” ذكر ثلاث قضايا رئيسة تستحضرها ذكرى هدم قبور البقيع. القضيّة الأولى وهي أن الشيخ المجاهد نمر باقر النمر، قام بدور نضالي مميّز في هذا السياق من أجل تظهير ذكرى هدم القبور في الوسط الديني والإسلامي، وإبراز مستوى الظلم والاستبداد الذي يحمله النظام السعودي بعد أن كان هذ ا الحدث مغيّباً عن الذاكرة الاجتماعيّة لفترة طويلة نسبياً، ولذلك وجدنا أن الشيخ النمر عمل بشكل كبير على إحياء المناسبة بوصفها أساسيّة في الأدبيّات الدينيّة والإسلاميّة، وتحمل مستوى عالي من مظلوميّة القيم، والمقدّسات بفعل الانتهاك العلني السافر الذي ارتكبه أهل الطغيان من آل سعود، وهذا الدّور النضالي الذي مارسه الشيخ النمر في ضمن ظروفه السياسيّة والاجتماعيّة المعقّدة، عبر الكلمة والرسالة والتوجيه، وكشف أيضاً عن مستوى عال من مواصفات الشيخ القائمة على الجرأة والشجاعة، والشعور العميق بالمسؤولية الدينية والإسلامية تجاه القيم والمبادئ والمقدسات.
عام 2008 خرج الشيخ النمر بصوته عندما اعتدت القوّات السعودية على زوار البقيع، وأضاف سماحة الشيخ جاسم، حينها خرج الشيخ النمر بصوته الرسالي المرتفع ليبرز الدور الأساس الذي ضلعت به القوات السعودية في التعدّي على الزوّار، وانتهاك حرمتهن فقط لكونهم يمارسون شعائرهم ومعتقداتهم الدينية بصورة واعية وأخلاقية وحضارية.
وهذا هو وضع النظام السعودي الذي يحمل لوناً طائقياً مقيتاً في تفكيره، وفي أدائه وفي تعامله، والشيخ النمر تميّز بأنه كان يشعى بكل عزيمته وإيمانه بأن يجهر بصوته الجهادي المميز للكشف عن التمييز الطائفي والتهميش الاجتماعي الذي يمارسه الحكم السعودي بحق المكوّن الشيعي المظلوم.
إقصاء الهويّات الفرعيّة
القضيّة الثانية وفق عالم الدين الحجازي، هي أننا نجد تجربة “الدّولة” السعودية قامت على القضاء على كل الهويات الفرعيّة لمختلف المكوّنات الشعبيّة، وهذا الإلغاء لم يكن لصالح تشكيل هوية وطنية جامعة، إنما كان بغرض تشكيل هوية ذات مكوّنات خاصة ملائمة لهيمنة آل سعود، قائمة على العائلة المالكة والإقليم النجدي، والمذهب السّلفي الوهابي، ولذلك “الدولة السعودية” بصيغتها الحالية لا تمثّل الأمة، ولا تعبّر عن إرادة المجتمع، إنما عن مكوّن مناطقي خاص، ومن هنا نجد أن المجتمع الداخلي في الجزيرة العربية لا يعبّر عن حالة سكانية منتظمة في إطار مشترك، إنما يعبّر عن مكوّنات متنوّعة يجب أن يجمعها إطار جيوبوليتيكي واحد، وقد صنعته “السعودية” لفرض هيمنتها وفق سياسات التمييز.
الدور الوهابي برز هنا في أنه تمكّن من الإمساك بمفاصل المجتمع، وكان هذا الدور قويّاً، لأنه يملك سلطة موازية للسلطة السياسية. لذلك كان للسلطة الدينية سهم واضح في تقرير مصير المجتمع، وكما علينا أن نؤكد أن النزعة الأيدولوجيّة الدينية الحاضرة في منظومة الدولة، ليست تعبيراً عن نزعة إيمانيّة عميقة تملأ تفكير النظام وسلوكه، بل كان هذا الحضور الأيديولوجي من أجل شرعنة الأداء العنيف الذي تمارسه الدولة، فهو نزوعاً نحو السّيطرة والتحكّم.
في بداية الثمانينيّات، كان هناك انفجار للدّور الوهابي، وقع في سياق معين وأخذ أبعاد خطيرة، هذا التمدّد جاء كردّة فعل واضحة من “الدولة السعودية” على انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، والتي شكّلت في العقل العربي والإسلامي نموذجاً دينياً متحضّراً وملهماً للشّعوب الإسلاميّة، في هذا السياق، وجدت المدرسة الوهابيّة السلفيّة في هذا التطوّر السياسي فرصةً تاريخيّة لإعادة عمليّة انتشارها في العالم الإسلامي، ومن هنا يمكن تفسير التمدّد اللا متناهي للوهابيّة والسلفيّة في الداخل والخارج فهو جاء لمجابهة النموذج الثورة في إيران، وبالفعل خلال أقل من عقدين انتشرت الوهابية في جميع أنحاء العالم بتمويل ودعم من “السعودية” التي أعطتها القدرة على تكشيل مجاميع تنظيميّة تتولى الترويج للخطاب السّلفي، لذلك لم تكن الوهابيّة جزء من المشروع الديني، إنما السياسي.
ومن هنا نجد أن النظام السعودي تعامل مع المكوّن الشيعي على أنه مشكلة بدت في مظهرها أنها عقدية، لكن عندما نعود لجذورها وعمقها وحقيقتها نجد أنها مشكلة سياسيّة تبعتها إجراءات اقتصادية وأمنية ودينية، بحسب سماحته.
مزاعم السياسة السلمانية
القضية الثالثة، هي في الأفق المنظور الجديد “للدولة السعودية” السلمانيّة، يقول القيادي الحجازي، ويضيف، مع كثافة الترويج لسياسة الانفتاح والتعدّدية التي جاءت كوسيلة لتظهير معالم الرؤية السلمانية والتبشير بها، إلا أن الأحداث والتطوّرات التي جرت خلال الأشهر والسنوات السابقة، في الحقيقة لا تدعو للتفاؤل بوجود استراتيجيّات عمل متطوّرة في ظل دولة لا تزال مثقلة بحمولاتها الطائفيّة والمناطقيّة والقبليّة، ولم تنجح هذه الدولة إلى اليوم في توفير آلية لاستيعاب حالة تستطيع إنتاج نموذجاً وطنياً جامعاً لجميع المكوّنات بكافة مواصفاتها.
في الرواية الجديدة التي أراد ابن سلمان إيصالها عبر المجلة الأمريكية والقائمة على فكرة الطلاق الرجعي بين الوهابية و”السعودية” والتبشير بدولة جديدة ضمن لعبة إيحاء ماكرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الذكاء المطلوب لتمريرها في عالم يكتظ بمصادر المعرفة بالتاريخ الحاضر واستشراف المستقبل، وكما هي العادة في مجمل صور الأداء السياسي لابن سلمان وأبيه تكفّل في هذه المرحلة بتقديم كل ما هو عكس ادّعاءاته التي يروّج لها، وهو في الواقع سمة واضحة في شخصية ابن سلمان المضطربة. والدليل على ذلك وجدنا في الإعدامات الأخيرة التي نفّذها ولي العهد في شهر شعبان الماضي أنها لم تكن جديدة في أدبيات النظام إنما كانت من عمق سلوك النظام العنفي والأمني.
ففي السابق كانت العائلة السعودية تختفي وراء الوهابية لتنفيذ عمليات الإعدام الأمنية لكن في المرحلة السلمانية أن ابن سلمان أخذ في عنفه ومجازره موقع الوهابية فصار يتولى المسؤولية القانونية والأيدولوجية مباشرةً عن هذه الجرائم، رغم مناداته في تحجيم دور الوهابية، يختم الشيخ جاسم المحمد علي كلامه.